تمثل الإعلانات المدفوعة الأجر الخاصة بالسياسيين أمرا جديدا أو استثنائيا في العالم، لكنها في العراق باتت نمطا صحفيا جديدا ظهر بعد الغزو وارتبط بظهور عشرات الصحف الجديدة التي باتت تعتمد على هذا النوع من الإعلانات كمصدر أساسي لتمويلها.
وتتسابق الصحف العراقية التي تناهز المائة في نشر هذا النمط الجديد من الإعلانات، والذي يضاف إلى الإعلانات المماثلة عن الإنجازات الحكومية أو الدعوة لمكافحة "الإرهاب" والإبلاغ عن المسلحين. وهذه الإعلانات تشغل مساحات واسعة ليس في الصحف والفضائيات المحلية العراقية بل أيضا في الفضائيات العربية.
واللافت للنظر أن هذا النمط من الإعلانات صار أيضا أشبه بالسياق الثابت في التعريف عن النشاط لدى الوحدات العسكرية العراقية والأميركية وغيرها من الوحدات العاملة في العراق، حتى بات بإمكان أي فصيل عسكري أن ينشر في صفحة أو نصف أو ربع صفحة أو حتى بمجرد عمود أو اثنين ما يتعلق بأنشطته العسكرية.
ويقول الصحفي العراقي خيون أحمد الصالح إن الاعلان المدفوع الأجر أخذ مظاهر سياسية غريبة على الواقع العراقي حتى وإن كانت معروفة في دول أخرى، وقال إن سياسيين كبارا بدؤوا يعلنون عن أنفسهم عبر الإعلان المدفوع الأجر لأغراض انتخابية أو دعائية, مشيرا إلى أن بعضهم أعلن تحوله من كتلة برلمانية إلى أخرى, أو تشكيل كتل سياسية عبر هذه الإعلانات المدفوعة.
وأضاف الصالح للجزيرة نت أن هذا المنهج لم يكن معروفا بالسابق في الصحافة العراقية, وإنما جاء مع مجيء "الاحتلال" الذي جاء بتغييرات شملت الكثير من نواحي الحياة من ثقافة وسلوك وسياسة.
ظاهرة غربيةبدورها انتقدت الصحفية سمر مجيد السامرائي نمط الإعلانات المدفوعة الأجر, قائلة إنه نتيجة حضارة غربية تعتمد الدعاية لكل شيء.
وأوضحت أنها تعتقد أن من "يقود البلاد أو يشارك بقيادتها بأي طريقة وبأي موقع يجب أن يكون معروفا لدى القاصي والداني", وبالتالي لا يحتاج لأن يعلن عن نفسه بمثل هذا الأسلوب الذي وصفته بأنه مناسب للإعلان عن المنتجات والملابس والأطعمة.
ويرى الصحفي زكي عزيز درويش أن "التطير" من هذا النمط من الإعلانات لا مبرر له, مشيرا إلى أن كثيرين يوجهون عبر هذه الإعلان برقيات شكر لطبيب أو صديق أو منقذ وغيرها.
وأضاف أن لدى السياسيين مساحات من الاهتمام بالصحافة, مقترحا عليهم ترك هذا المربع لغيرهم من الناس, رافضا تسويق السياسيين لأنفسهم بهذه الطريقة.
سهل التداولويقول المصور الصحفي عبد الكريم إن عبارة إعلان مدفوع الثمن صارت سهلة التداول كثيرة الاستخدام, مشيرا إلى أن "هذا النهم في الإعلان عن النفس لدى السياسة خاصة خلال الحملات الانتخابية يجرد الملعن عنه من الصفات الحميدة".
ويرى الأستاذ في كلية الآداب بجامعة بغداد محمد نوري جابر أن الإعلان عن النفس حق شخصي، ولكن هذا الحق يجب أن "لا ينزل بالشخص إلى المراتب الدنيا، فلو اختار أحدنا أن يشكر طبيبا أو مهندسا أو شخصا قدم له خدمة جليلة فهذا عمل جيد, أما عندما يتعلق الأمر بالإعلان عن النشاطات السياسية والتعريف بمراتب النضال لدى فلان أو فلانة فإنه أمر لا يطاق".
القوات الأميركيةوكان للقوات الأميركية في العراق نصيب وافر من هذه الإعلانات، فبالإضافة إلى إعلانات عسكرية ودعائية مختلفة فإن الصحافة العراقية ظلت لأكثر من عامين تنشر إعلانا يتضمن صور الجندي الأميركي كيت مات موبن حول فقدانه في البلاد منذ ثلاث سنوات.
ومنذ فقدان موبن في أبريل/نيسان 2004 بمنطقة أبو غريب غربي بغداد, لم تتوقف القوات الأميركية عن دفع أجور الإعلان اليومي الذي يتضمن مكافأة مالية كبيرة لمن يدلي بمعلومات عن مكان اختفائه وأوصافه.
وفي هذا الشأن يقول العميد طاهر أحمد كند أحد ضباط الجيش العراقي السابق إن الجيش الأميركي لا يمكن أن يبحث عن جنديه المفقود كل هذه الفترة الطويلة, والتي يطمح فيها كما يشير إلى ذلك الإعلان المتكرر بشكل يومي إلى أن يجده بعد تلك السنوات, لكن الأميركيين يبحثون عن "هدف آخر".
وأضاف كند في تصريحاته للجزيرة نت أنه "لم يسبق أن قايض خاطفون أميركيا بأموال أو أطلقوا سراحه, ولذا فالغرض من المكافأة لمن يدلي بمعلومات عن الجندي والبالغة 200 ألف دولار على ما يبدو هو إيجاد متعاونين مع القوات الأميركية للبحث عن مخابئ المسلحين".